نبي الله “هود”
كتب: شيماء الخطيب
عندما نجى الله عز وجل نوحًا عليه السلام ومن أمن معه من المؤمنين عاشوا زمنا على التوحيد والأيمان ولم يكن بينهم كافر واحدًا
.لقد شاهدوا كيف نجاهم الله من الطوفان فازدادوا شكرًا لله وعاشوا على طاعته بل كانوا يعلمون أولادهم الأيمان والتوحيد حتى ينشأوا في طاعة الله عز وجل.
بعد مرور السنوات الطويلة وموت الآباء والأجداد نسى الأحفاد وصايا الآباء والأجداد ونسوا وصايا نبي الله نوح عليه السلام.فقد كثرت المعاصي وازداد الأمر سوءا وعاد الناس مرة أخرى إلى الشرك و عبادة الأصنام بعد أن زين لهم الشيطان فعل ذلك.فأرسل الله عز وجل إلى هؤلاء القوم نبيه هودا عليه السلام، ليأخذ بأيديهم إلى الإيمان والتوحيد مرة أخرى.
أعبدوا الله مالكم من إله غيره .
ولما ملأ ركام الجاهلية أرجاء الأرض أراد الحق عز وجل، أن يطهر الأرض من دنس الشرك والكفران وأن يرد الناس إلى أنوار التوحيد والأيمان فأرسل إلى قوم عاد هودا عليه السلام، وكان رجلًا منهم أكرمهم خلقًا وأرجحهم عقلا فاختاره الله عز وجل، ليكون أمين رسالته وصاحب دعوته عسى أن تهتدي به العقول الضالة وأن تستقيم به القلوب الحائرة.
فجاءهم هود عليه السلام، يصدع بكلمة التوحيد ويدعوهم إلى عبادة الله الملك الحق فقال لهم ،”يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون”.وظل ينصحهم ويوجههم إلى عبادة الله وأن الأصنام لا تجلب لهم النفع ولا الضر.
عناد واستمرار.
ومع كل ما بذله هود عليه السلام من أجل هداية قومه إلا أنهم استكبروا ورفضوا أن يدعوهم واحد منهم واتهموه بالكذب ،”قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين “.
” قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين”.لقد نفي عن نفسه السفاهة والكذب وقد كشف لهم كما كشف نوح من قبل عن مصدر رسالته وهدفها ، وعن نصحه لهم فيها وأمانته في تبليغها.
وقد عجب قومه كما عجب قوم نوح من قبل من هذا الاختيار، ومن تلك الرسالة ، فإذا هود يكرر لهم ما قاله نوح من قبل ، كأنما كلاهما روح واحده في شخصين، “أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم”.
إنها دعوة خالصة.وقال هود لقومه إنها دعوة خالصة ، فليس له من ورائها هدف ، وما يطلب على النصح والهداية أجرا.-إنما أجره على الله الذي خلقه فهو به كفيل، قال تعالي:-” يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون “.
وهذا هو شأن الرسل والأنبياء جميعا فهم لا يريدون دنيا ولا جاها وإنما هدفهم الأوحد والأسمى هو أن يأخذوا بأيدي الناس جميعا إلى عبادة الله عز وجل.
وها هو يذكرهم بنعم الله.
وبدأ هود عليه السلام يخاطب عقولهم وقلوبهم ويذكرهم بنعم الله عليهم، تلك النعم التي لا تعد ولا تحصى.فقال لهم:-” واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون”.
وها هو يذكرهم مرة أخرى بنعم الله كما أخبر بذلك الحق عز وجل .
“أتبنون بكل ريع آية تبعثون {128} وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون {129} وإذا بطشتم بطشتم جبارين {130} فاتقوا الله وأطيعون {131}واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون {١٣٢} أمدكم بأنعام وبنين {133} و جنات وعيون {134} إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم”.
وها هو يحضهم على التوبة والاستغفار.
أخذ هود عليه السلام يطمعهم في المزيد من نعم الله فأخذ يحضهم على التوبة من عبادة الأصنام وعلى التوجه إلى عبادة الرحمن عز وجلوظل يرغبهم في الإستغفار ليتوب الله عليهم ويديم عليهم النعم التي يعيشون في ظلها بل ويزيدهم عليها أضعافا كثيرة.فقال لهم :- “و يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين “.
لم ينتفعوا بأي موعظة.وعلى الرغم من كل هذا فإنهم لم ينتفعوا بأي موعظة لأن الله ختم على قلوبهم فلم تعد تشعر بقيمة الحق الذي جاء به هود من عند الله عز وجل.” قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين136 إن هذا إلا خلق الأولين 137 وما نحن بمعذبين “.
بل إنهم ذكروا العلة في عدم استجابتهم لهود عليه السلام في أنه بشر مثلهم وهم يريدون من الله أن يرسل إليهم ملكا رسولا .قال تعالى :- ” وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون 33 ولئن أطعتم بشر مثلكم إنكم إذا لخاسرون”.