قصة عام الفيل واحداثه
المقال الرابع: قصة عام الفيل واحداثه
اعداد الشيخ: احمد عبد العظيم عمرو على
رئيس الإدارة المركزية لمنطقة الوادي الجديد الازهرية
(ومضات على طريق السلوك)
خواطر حول ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم
(الاحداث العظام التي سبقت ميلاد خير الانام )
ان قصة أصحاب الفيل اثبتها الله عز وجل في كتابه العزيز، وأشار اليها النبى “صلى الله عليه وسلم” في اصح كتب السنة صحيح البخارى ومسلم واتت تفاصيلها في كتب السير والتاريخ، وذكرها علماء التفسير في تفاسيرهم قال تعالى:
(بسم الله الرحمن الرحيم * الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * الم يجعل كيدهم في تضليل * وارسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف مأكول ) قال بن كثير: هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو اثرها من الوجود.
فأبادهم الله وارغم انافهم، وخيب سعيهم، واضل عملهم، وردهم بشر خيبة، وكانوا قوما نصارى وكان دينهم اذ ذاك اقرب حالا مما كان عليه اهل قريش من عبادة الاوثان ولكن كان هذا من باب الارهاص والتوطئة لمبعث النبى الامى محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج زمن الحديبية سار حتى اذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها فبركت بها راحلته فقال الناس: حل حل ( وهى كلمة تقال للناقة اذا تركت السير ) فألحت ( اى تمادت على عدم القيام ) فقالوا خلأت القصواء (اى تقاعست عن المسير ) فقال النبى صلى الله عليه وسلم ( ما خلأت وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل).
ولما فتح الله عز وجل على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله واثنى عليه وقال: (ان الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين )، وروى الحاكم في المستدرك والبيهقى في الدلائل عن بن عباس رضى الله عنهما قال: اقبل أصحاب الفيل حتى اذا دنوا من مكة استقبلهم عبدالمطلب، ما جاء بك الينا ما عاناك الا بعثت فنأتيك بكل شيء اردت، فقال ابرهة: اخبرت بهذا البيت الذى لا يدخله احد الا امن فجئت اخيف اهله فقال عبدالمطلب انا نأتيك بكل شيء تريد فأرجع فأبى الا ان يدخله وانطلق يسير نحوه وتخلف عبدالمطلب فقام على جبل فقال: لا اشهد مهلك هذا البيت وأهله ثم قال: :
اللهم ان لكل اله حلالا فأمنع حلالك
لا يغلبن محالهم محالك
اللهم فأن فعلت فأمر ما بدالك
فأقبلت مثل السحابة نحو البحر حتى اظلتهم طير ابابيل (اى جماعات) التي قال الله عز وجل عنها (ترميهم بحجارة من سجيل) قال: فجعل الفيل يعج عجا فجعلهم كعصف مأكول، وورد في الرحيق المختوم أن أبرهة الصباح الحبشي، النائب العام عن النجاشي على اليمن، لما رأى العرب يحجون الكعبة بنى كنيسة كبيرة بصنعاء، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، وسمع بذلك رجل من بني كنانة، فدخلها ليلاً فلطخ قبلتها بالعذرة، ولما علم أبرهة بذلك ثار غيظه، وسار بجيش عرمرم -عدده ستون ألف جندي – إلى الكعبة ليهدمها، واختار لنفسه فيلاً من أكبر الفيلة، وكان في الجيش 9 فيلة أو 13 فيلاً
وواصل سيره حتى بلغ المغمس، وهناك عبأ جيشه، وهيأ فيله، وتهيأ لدخول مكة، فلما كان في وادي محسر بين المزدلفة ومنى برك الفيل، ولم يقم ليقدم إلى الكعبة، وكانوا كلما وجهوه إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق يقول يهرول، وإذا صرفوه إلى الكعبة برك، فبينا هم كذلك إذ أرسل الله {عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}، وكانت الطير أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره، وحجران في رجليه أمثال الحمص، لا تصيب منهم أحداً إلا صار تتقطع أعضاؤه، وهلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يموج بعضهم في بعض فتساقطوا بكل طريق، وهلكوا على كل منهل.
وأما أبرهة فبعث الله عليه داء تساقطت بسببه أنامله، ولم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل الفرخ، وانصدع صدره عن قلبه ثم هلك.
وأما قريش فكانوا قد تفرقوا في الشعاب وتحرزوا في رؤوس الجبال، خوفاً على أنفسهم من معرة الجيش، فلما نزل بالجيش ما نزل رجعوا إلى بيوتهم آمنين.
وكانت هذه الوقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي صلَّى الله عليه وسلم بخمسين يوماً أو بخمسة وخمسين يوماً -عند الأكثر – وهو يطابق أواخر فبراير أو أوائل مارس سنة 571م، وكانت تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته، لأنا حين ننظر إلى بيت المقدس نرى أن المشركين من أعداء الله تسلطوا على هذه القبلة، وأهلها مسلمون كما وقع لبختنصر سنة 587ق.م، والرومان سنة 70م، ولكن الكعبة لم يسيطر عليها النصارى -وهم المسلمون إذ ذاك – مع أن أهلها كانوا مشركين.
وقد وقعت الواقعة في الظروف التي يبلغ نبأها إلى معظم المعمورة المتحضرة إذ ذاك، فالحبشة كانت لها صلة قوية بالرومان، والفرس لا زالون لهم بالمرصاد، يترقبون ما نزل بالرومان وحلفائهم، ولذلك سرعان ما جاءت الفرس إلى اليمن بعد هذه الوقعة، وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر
فهذه الوقعة لفتت أنظار العالم ودلته على شرف بيت الله، وأنه هو الذي اصطفاه الله للتقديس، فإذن لو قام أحد من أهله بدعوى النبوّة كان ذلك هو عين ما تقتضيه هذه الوقعة، وكان تفسيراً للحكمة الخفية التي كانت في نصرة الله المشركين ضد أهل الإيمان بطريق يفوق عالم الأسباب.
وقال بن إسحاق وهو ما أورده بن كثير في سيرته ما ملخصه: فلما نزل ابرهه بالمغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له حتى انتى الى مكة فساق اليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مأتى بعير لعبدالمطلب وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمت قريش وكنانة وهزيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله ثم عرفوا انه لا طاقة لهم به فتركوا ذلك.
وبعث ابرهة حناطة الحميرى الى مكة وقال له: سل عن سيد هذا البلد وشريفهم ثم قل له ان الملك يقول انى لم آت لحربكم، انما جئت لهدم هذا البيت فان لم تعرضوا لنا دونه بحرب فلا حاجة لى بدمائكم فان هو لم يرد حربى فاتنى به، فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها فقيل له: عبدالمطلب بن هاشم فجاءه فقال له ما امره به ابرهة .
فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام فان يمنعه منه فهو حرمه وان يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه .
فقال له حناطة: فانطلق معى اليه فانه قد امرنى ان اتيه بك، فانطلق معه عبدالمطلب ومعه بعض بنيه حتى اتى العسكر فسال عن ذي نفر وكان له صديقا حتى دخل عليه وهو في محبسه فقال له: يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟
فقال له ذو نفر: وما غنا رجل اسير بيدى ملك ينتظر ان يقتله غدوا او عشيا، ما عندى غناء في شيء مما نزل بك، الا ان انيسا سائس الفيل صديقا لى فأرسل اليه واوصيه بك واعظم عليه حقك واساله ان يستأذن لك الملك فتكلمه بما بدا لك، ويشفع لك عنده بخير ان قدر على ذلك، فقال: حسبى
فبعث ذو نفر الى انيس فقال له: ان عبدالمطلب سيد قريش وصاحب عين مكة يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤس الجبال، وقد أصاب له الملك مأتى بعير فأستاذن له عليه وانفعه عنده بما استطعت، قال: افعل، فكلم انيس ابرهه فقال له: أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك وهو صاحب عين مكة ( يقصد زمزم ) وهو الذى يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤس الجبال فأذن له عليك فأذن له عليك فيكلمك في حاجته، فأذن له ابرهة .
قال: وكان عبدالمطلب اوسم الناس واعظمهم واجملهم، فلما رآه ابرهة اجله واكرمه عن ان يجلس تحته، وكره ان تراه الحبشة يجلسه على سرير ملكه، فنزل ابرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه الى جانبه، ثم قال لترجمانه : قل له حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال حاجتى ان يرد على الملك مأتى بعير أصابها لى، فلما قال له ذلك قال ابرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت اعجبتنى حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتنى في مأتى بعير اصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لاهدمه لا تكلمنى فيه ؟
فقال عبدالمطلب: انى انا رب الابل، وان للبيت ربا سيمنعه .
فقال: ما كان ليمتنع منى، قال : انت وذاك، فرد على عبدالمطلب ابله التي أصابها منه، وانصرف عبدالمطلب الى الكعبة ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على ابرهه وجنده وقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلق باب الكعبة ما ذكرته من شعر آنفا، ثم ارسل عبدالمطلب حلقة باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من قريش الى شعف الجبال يتحرزون فيها و ينتظرون ما ابرهة فاعل .
فلما اصبح ابرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبئ جيشه وكلما وجه فيله الى الكعبة برك واذا وجه الى اليمن هرول، وارسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة احجار حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحدا الا هلك وليس كلهم اصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي منها جاءوا ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق الى اليمن، وأصيب ابرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط انملة انملة كلما سقطت انملة اتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون.
وكانت قصة عام الفيل واحداثه المحرم سنة ستة وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذي القرنين، وفى عامها ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشهور، كما سنذكر ذلك بالتفصيل ان شاء الله تعالى عند الحديث عن المولد النبوى الشريف وتلك هي الاحداث الجسام التي سبقت مولد خير الانام عليه الصلاة والسلام .
اعداد الشيخ: احمد عبد العظيم عمرو على
رئيس الإدارة المركزية لمنطقة الوادي الجديد الازهرية