كيرلس بسكالس يكتب: غُرْبَة الْقَرِيب

0

كيرلس بسكالس يكتب: غُرْبَة الْقَرِيب

قيلت فِى الْغُرْبَة قَصَص وومووايل وَأَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ وَكَتَبْت حَوْلَهَا الْحِكَايَات فَهَل الْغُرْبَة الْبُعْدِ عَنْ الْمَنْشَأ وَالْأَهْل وَالْأَصْدِقَاء, الْغُرْبَة فِى الْحَيَاة لَيْسَت

الْغُرْبَة الْمَادِّيَّة، لَيْسَت فَقَط الْبُعْدِ عَنْ الأَهْلِ والاحباب، وَلَيْسَت الْهِجْرَةَ مِنْ مَكَان الْمَوْلِد أَوْ السَّفَرِ، الْغُرْبَة الْمُوجِعَة والمؤلمة الْحَقِيقِيَّة هِى الْغُرْبَة

النَّفْسِيَّة هِى غُرْبَة الْقَرِيب أَنْ يُحِسَّ الْإِنْسَان بِالغُرْبَة فِى بَلَدِهِ وَوَطَنُهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ وَأَحِبَّائِه، هَذِه هِى الْغُرْبَة الْحَقِيقِيّة، الْغُرْبَة الْحَقِيقِيَّة هِى الْإِحْسَاس بِالْبُعْدِ عَنِ أَقْرَب الْقَرِيب.

هَذَا الْإِحْسَاس بِالغُرْبَة مَعَ الْإِنْسَانِ الشَّاعِر بِهَا، إحْسَاس لَا يُولَدُ فَجْأَة وَإِنَّمَا يَتَشَكَّل مِن تراكمات مُتَوَالِيَةٌ عَلَى إحْسَاس وَفِكْر وَعَقْل الْإِنْسَان،

حَيْث يُكَبِّر وَيَنْمُو دَاخِلَةٌ حَتَّى يُحَسّ أَنَّهُ انْقَطَعَ عَنْ الدُّنْيَا مِنْ حَوْلَهُ رَغِم وُجُودُهُ فِيهَا وَبَيْنَهُم فَهُو بِدَاخِلِه غَرِيبٌ .

يَتَأَثَّر أَكْثَر بِهَا حِينَ تَكُونُ مِنْ الْأَقْرَبُون مِنْ الْأَهْلِ أَوْ الْأَصْدِقَاء أَو رُفَقَاء الْعَمَل، فَتَحَرَّك بِدَاخِلِه مَشَاعِر الْغُرْبَة وَالْبُعْد حَيْث يَتَعَرَّض لمواقف يَضِيق

مِنْهَا صَدْرِه وَيَعْتَلّ مِنْهَا قَلْبِه، وتتضرر مِنْهَا مَصَالِح وَأَهْوَاء فَلَمْ تَعُدْ قَادِرَةً عَلَى السَّمَاعِ ومجاراة الْغُرْبَة.

غُرْبَة الْقَرِيب

هُنَاك فَتَرَات مِنْ الزَّمَانِ تَكُونُ مزدهرة بِالْفِكْر وَالْعُقُول النَّامِيَة، فتشتهر بالاستنارة والامتياز وَالتَّفَوُّق، وَهُنَاك فَتْرَة خُمُول أَيْضًا، فَيَغْلِب عَلَيْهَا الْخُمُول

وَالتَّفَاهَة والسطحية وَالرِّيَاء وَالنِّفَاق وَقِلَّة الْإِخْلَاص وَتَقِلّ الْفِئَة الصَّادِقَة الْأَمِينَة فَيُشْعِر الْإِنْسَان بالاخْتِنَاق مِن ردود الْأَفْعَال وَالتَّعَامُل حَتَّى يُفَكِّرَ

الْإِنْسَانُ فِى الصَّمْت تَجَنَّبَا لِهَذَا الرِّيَاء فِى التَّعَامُل فتضيف إلَى غُرْبَتِه غُرْبَة أُخْرَى.

فَالْإِنْسَان بِطَبِيعَتِه وَفِطْرَتُه كَائِنٌ اجتماعى لَا يَعِيشُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمُجْتَمَع، وَلَا يُقْبَلُ الِانْفِصَالِ عَنْهُ مَادِّيًّا أَو روحيا إلَّا لَوْ اُضْطُرَّ لِذَلِكَ، وَهُنَا يَرْجِع

الْإِنْسَانِ إلَى مايسمى فِى عِلْمِ النَّفْسِ « بِالْحِيَل الدفاعيه » فقَد يُهَيِّئ لِنَفْسِه التعالى ليصبر نَفْسِهِ عَلَى التفاهات الْمُحِيطَة والانانية فيتعالى مُنْعَزِلًا عَنْ

النَّاسِ بتعاليه، أَو ينطوى عَلَى نَفْسِهِ وَيُغْلَق عَلَى ذَاتِهِ فَيَنْقَطِع عَنْ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِم.

وَقَد تُصِيبُه مَرَارَة تَعَامَل الْمُحِيطَيْن فيتغلب عَلَيْهَا بِالْيَأْس فَيَكُون مُحْبِطًا وغريبا عَنْ كُلِّ الْمُحِيطَيْنِ بِهِ وهُنَاك الْكَثِيرِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِى تَجْعَلُ الإِنْسَانَ

فِى عَزْلِهِ مِنْ مَنَّ حَوْلَهُ نَتِيجَة هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَعَدَم تجاوبه مَعَهَا مِمَّا يُفْقِدُه الْقُدْرَةِ عَلَى التَّوَاصُلِ ومواصل التَّعَامُل فيتوارا خَلْف أَحْزَانُه مستسلما

للغربة النَّفْسِيَّة وَالذَّاتِيَّة الَّتِى بِحَدّ ذَاتِهَا أَكْبَر وَأَشَدّ عَذَابًا مِنْ الْغُرْبَة فِى الْمَكَانِ أَوْ السَّفَرِ فَتِلْك الْغُرْبَة لَيْسَت بَعْدَهُ عَنْ الْمَكَانِ بَلْ غربتها فِى قُرْبَهَا وَمَا أَشَدّ غُرْبَة الْقَرِيب مَا أَشَدَّ وَأَصْعُب أَن تُحِسّ بغربتك وَأَنْتَ فِى مَكَان مَوْلِدَك وَبَيْنَ أَهْلِك واصدقائك وَفِى عَمَلُك .

كيرلس بسكالس يكتب: غُرْبَة الْقَرِيب


موضوعات رائجة

كشف ملابسات واقعة مقتل سائق «توكتوك» بأسيوط

Leave A Reply

Your email address will not be published.